لمــاذا يسعــى الاحتــلال إلــى إلغــاء مخيمــات الضفــة؟

لمــاذا يسعــى الاحتــلال إلــى إلغــاء مخيمــات الضفــة؟
القدس واللاجئين

غزة/ سماح المبحوح:
لم يتوقف الاحتلالُ الإسرائيلي عند حدود تدمير ثلاثةِ مخيماتٍ للاجئين الفلسطينيين في شمال الضفة الغربية المحتلّة وتهجير سكانها، بل مضى أبعد من ذلك، واضعاً نصب عينيه استكمال المخطط ذاته في باقي المخيمات الخمسةَ عشرَ، ليس فقط لتغيير المشهد الجغرافي والديموغرافي، بل لطمس الفكرة التي تمثّل جوهر قضية اللاجئين، والقضاء على رمزيتهم التاريخية وحقّهم غير القابل للتصرف في العودة.

وعقب الحادي والعشرين من يناير/كانون الثاني 2025، أطلق الاحتلال عملية عسكرية واسعة النطاق استهدفت مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس للاجئين، بعد فترة وجيزة من إعلان وقف مؤقت لإطلاق النار في غزة، مُصدِراً أوامر عاجلة للسكان بإخلاء منازلهم. ومنذ ذلك الحين، اتّخذت العملية طابعاً تهجيرياً مفتوحاً، تخللته عمليات هدم وتفجير واسعة، خلّفت مئات الشهداء والمصابين والمعتقلين.وتنظر «إسرائيل» إلى تلك المخيمات كرافد رئيس للمسلحين الفلسطينيين بسبب قضية اللاجئين الذين هجرتهم «العصابات الصهيونية» من منازلهم قبل ثمانية عقود، وما يعتبرونه ظلماً تاريخياً تشكله تلك القضية.
وقد استضافت هذه المخيمات، التي أُنشئت في خمسينيات القرن الماضي للفلسطينيين النازحين بالتحديد في العام 1948، أجيالا من اللاجئين.
ومؤخرا، كشفت «القناة 15» الإسرائيلية، عن مداولات «تجري حالياً بين «إسرائيل» والسلطة الفلسطينية بشأن السماح لسكان مخيمات اللاجئين في شمال الضفة الغربية، وعلى رأسها مخيم جنين، بالعودة بعد تهجيرهم خلال العدوان الإسرائيلي، وتدمير أجزاء واسعة من هذه المخيمات.
ويشترط الاحتلال 5 نقاط أساسية كشرط لعودة السكان، أبرزها استبعاد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين «أونروا» ومنظمات الإغاثة الدولية عن المخيمات، على أن تتولّى السلطة الفلسطينية تقديم كلّ الخدمات للسكان حصرياً.
وأشارت المصادر الإسرائيلية لـ «قناة 15»، إلى أنّ هذا البند يُعدّ «الأهم» في أيّ اتفاق، وأنّ عدم الالتزام به يُبطِل إمكانية التقدّم في الملفات الأخرى.
ويرى الاحتلال الإسرائيلي أنّ إخراج «الأونروا» من المخيمات يعني تحويلها من مناطق لها صفة دولية مرتبطة بحقّ العودة، إلى مناطق تحت إدارة السلطة الفلسطينية بالكامل، في خطوة تعتبرها «إسرائيل» نحو إنهاء قضية اللاجئين.
في المقابل، ترفض السلطة الفلسطينية هذا الطرح رفضاً قاطعاً، بسبب ما يحمله من دلالات سياسية خطيرة تُظهر كما لو كانت توافق على «محْو قضية اللاجئين» أو التخلّي عنها، وفق ما نقلته القناة.
أما الشروط الإضافية التي يضعها الاحتلال، فهي أنّ عودة السكان سيُسمح بها فقط بعد أن يُكمل الجيش الإسرائيلي «إعادة هندسة المنطقة»، كما أنّ شقّ الطرق سيتمّ بالتنسيق الكامل مع «الجيش»، وستكون السلطة الفلسطينية ملزمة بإقامة حواجز ومحطات شرطة، وذلك «لمنع دخول عناصر تصنّفها إسرائيل إرهابية إلى المخيّمات، وأن تقام البنية التحتية للكهرباء والمياه تحت الأرض».
بروفا ممتدة لباقي المخيمات
المحلل والكاتب السياسي أمين أبو وردة رأى أن ما جرى ويجري حاليا في مخيمات الضفة الغربية المحتلة الثلاثة نور شمس وطولكرم وجنين هو «بروفا « ونموذج لما يخطط له الاحتلال الاسرائيلي في باقي المخيمات، حيث أن الهدف منه إزالة معلم اللجوء الفلسطيني وبالتالي إنهاء وتصفية «أونروا» الذي يؤكد عملها على وجود للاجئين واحتلال وأرض محتلة، مشيرا إلى أن هدف الاحتلال قديم لكن عمل على تجديده منذ عدة سنوات تحت مبررات بأن تلك المخيمات أصبحت «معقل» للأجنحة والفصائل الفلسطينية المسلحة.
وأوضح أبو وردة لـ «الاستقلال» منذ اجتياح المخيمات الثلاثة وتهجير سكانها وتدميرها بات الاحتلال ينفذ خطة على الأرض متعددة الأهداف، بإنهاء وجود شكل المخيم المتعارف عليه وشق طرق جديدة ومنع عمل «أونروا»، وأوعز للسلطة تسلم المهام الأمنية، كما حدد معايير لعودة الأفراد للمخيمات والإقامة فيها.
وبين أن سياسة الاحتلال في تلك المخيمات أصبحت واضحة المعالم بفرض أمر واقع جديد، إذ أن إجراءاته الأخيرة في «سفلتة» الشوارع في مخيم طولكرم بالتحديد، وتوسعتها وإزالة بنايات وإقامة مربعات، هو إنهاء شكل اللجوء الفلسطيني بالضفة.
وقال:» الاحتلال يهدف للتضييق والضغط بقوة على المواطنين بكافة مناحي الحياة للقبول بمخططاته، حيث جعلهم يعيشون بظروف صعبة للغاية، وهو ما يجعل الواقع على الأرض مخيف»، مشددا على وجوب تحمل السلطة الفلسطينية والفصائل ومؤسسات المجتمع المحلي مسؤولياتهم لتعزيز صمود المواطنين لرفض ما يخطط له الاحتلال في المخيمات.
أحياء داخل المدن
وأكد على وجود نية إسرائيلية للإسراع في تنفيذ ونجاح مخططاته في المخيمات الثلاثة «طولكرم ونور شمس وجنين» للانتقال بعدها لمخيم بلاطة في نابلس والفارعة في طوباس ثم مخيمات الوسط والجنوب، بحيث يعمل على هندستها من جديد لتصبح جميع المخيمات أحياء داخل المدن، أي لا علاقة للمخيمات بـ «أونروا» ولا للاجئين بحق العودة.
وأشار إلى أن الاحتلال بعد اتفاق وقف إطلاق النار في غزة يعمل بشكل متسارع ومتسلل بالضفة المحتلة على أكثر من محور، بحيث ينهي قضية المخيمات الثلاثة والانتقال للبقية، ويسيطر بشكل كامل على مناطق «ج» وهو ما يجري في الأغوار الشمالية والحدود الأردنية، ويبسط سيطرته على المواقع الأثرية التاريخية، بحيث يصل في نهاية المطاف لإنهاء السطلة وفرض سيادته وضم الضفة له.
وفي وقت سابق، حذرت السلطة الفلسطينية من أن العدوان الإسرائيلي الواسع والمدمر يأتي في إطار مخطط لحكومة بنيامين نتنياهو لضم الضفة وإعلان السيادة عليها، وهو ما قد يمثل إعلانا رسميا لوفاة حل الدولتين.
حالة غير مقبولة
واتفق الباحث في الشأن الإسرائيلي أنس أبو عرقوب مع سابقه، بأن الاحتلال الإسرائيلي يعمل على إنهاء شكل المخيمات بالضفة المحتلة وكذلك قطاع عزة، من خلال إعادة هندستها بتغيير طبيعتها الجغرافية والديموغرافية، باعتبار أن اللجوء حالة غير مقبولة إسرائيليا.
وأكد أبو عرقوب لـ «للاستقلال» أن الاحتلال سيعمل على تنفيذ مخططاته بالمخيمات الثلاثة طولكرم وجنين ونور شمس تم ينتقل لإعادة هيكلة باقي مخيمات الضفة، وهو الأمر الذي يسعى لتنفيذ أيضا بقطاع غزة، حيث اشترط إعادة اعمار القطاع بإنهاء حالة وشكل المخيمات.
وأشار إلى أن الاحتلال نجح في اخلاء المخيمات الثلاثة وتدمير منازلها والعمل على إعادة هندستها بشق الطرق بجعل اقتحامها والوصول إليها أسهل مما كان عليه في السابق، في ظل غياب حالة التضامن العالمية في إعادة السكان اللاجئين لأماكن سكناهم، وإفشال مخططاته.
ولفت إلى أن الاحتلال في حالة إنكار ونفي لصفة اللاجئين، وهو ما عمل عليه في سوريا، حيث نجح أيضا في شطب اسم للاجئ في الأوراق الرسمية للاجئين الفلسطينيين واستبدالها بأجنبي، كما تم إلغاء عمل «أونروا» وإغلاق منشآتها هناك، كما حدث بالقدس المحتلة.
يذكر أن الحكومة الإسرائيلية حظرت منذ بداية العام الجاري 2025 عمل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” بالقدس الشرقية وشرعت في تقييد عمل موظفيها الأجانب بالضفة الغربية عبر منع إصدار تصاريح مرور لهم.

التعليقات : 0

إضافة تعليق